فصل: ذكر غزو مسلم الترك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر خروج مسعود العبدي

وخرج مسعود بن أبي زينب العبدي بالبحرين على الأشعث بن عبد الله ابن الجارود ففارق الأشعث البحرين وسار مسعود إلى اليمامة وعليها سفيان ابن عمرو العقيلي ولاه إياها عمر بن هبية فخرج إليه سفيان فاقتتلوا بالخضرمة قتالًا شديدًا فقتل مسعود وقام بأمر الخوارج بعده هلال بن مدلج فقاتلهم يومه كله فقتل ناس من الخوارج وقتلت زينب أخت مسعود فلما أمسى هلال تفرق عنه أصحابه وبقي في نفر يسير فدخل قصرًا فتحصن به فنصبوا عليه السلاليم وصعدوا إليه فقتلوه واستأمن أصحابه فآمنهم وقال الفرزدق في هذا اليوم‏:‏ لعمري لقد سلنت حنيفة سلةً سوفًا أبت يوم الوغى أن تغيرا تركن لمسعود وزينب أخته رداء وسر بالًا من الموت أحمرا

وقيل‏:‏ إن مسعودًا غلب على البحرين والمامة تسع عشرة سنة حتى قتله سفيان بن عمرو العقيلي‏.‏الخضرمة بكسر الخاء وسكون الضاد المعجمتين وكسر الراء‏.‏

  ذكر مصعب بن محمد الوالي

كان مصعب من رؤساء الخوارج وطلبه عمر بن هبيرة وطلب معه مالك بن الصعب وجابر بن سعد فخرجوا واجتمعوا بالخورنق وأمروا عليهم مصعبًا ومعه أخته آمنة وساروا عنه‏.‏

فلما ولي هشام بن عبد الملك واستعمل على العراق خالدًا القسري سير إليهم جيشًا وكانوا قد صاروا بحزة من أعمال الموصل فالتقوا واقتتلوا فقتل الخوارج وقيل كان قتلهم آخر أيام يزيد بن عبد المكل فقال فيهم بعض الشعراء‏:‏ فتية تعرف التخشع فيهم كلهم أحكم القرآن إماما قد برى لحمه التهجد حتى عاد جلدًا مصفرًا وعظامًا غادروهم بقاع حزة صرعى فسقى الغيث أرضهم يا إماما ذكر موت يزيد بن عبد الملك في هذه السنة توفي يزيد بن عبد الملك لخمس بقين من شعبان وله أربعون سنة وقيل خمس وثلاثون سنة وقيل غير ذلك وكانت ولايته أربع سنين وشهرًا وأيامًا وكنيته أبو خالد وكان مرضه السل‏.‏

وقيل‏:‏ كان سبب موته أن حبابة لما ماتت وجد عليها ودًا شديدًا على ما نذكره إن شاء الله تعالى فخرج مشيعًا لجنازتها ومعه أخوه مسلمة بن عبد الملك ليسليه ويعزيه فلم يحبه بكلمة وقيل إن يزيد لم يطق الركوب من الجزع وعجز عن المشي فأمر مسلمة فصلى عليها وقيل‏:‏ منعه مسلمة عن ذلك لئلا يرى الناس منه ما يعيبونه به‏.‏

فلما دفنت بقي بعدها همسة عشر يومًا ومات ودفن إلى جانبها وقيل‏:‏ بقي بعدها أربعين يومًا لم يدخل عليه أحد إلا مرة واحدة ولما مات صلى عليه أخوه مسلمة وقيل‏:‏ ابنه الوليد وكان هشام بن عبد الملك بحمص‏.‏

  ذكر بعض سيرته

كان يزيد من فتيانهم فقال يومًا وقد طرب وعنده حبابة وسلامة القس‏:‏ دعوني أطير قالت حبابة‏:‏ على من تدع الأمة قال‏:‏ عليك قيل وغنته يومًا‏:‏ وبين الترافي واللهاة حرارة ما تطمئن وما تسوغ فتبردا فأهوى ليطير فقالت‏:‏ يا أمير المؤمنين إن لنا فيك حاجة‏.‏

فقال‏:‏ والله لأطيرن‏!‏ فقالت‏:‏ على من تخلف الأمة والملك قال‏:‏ عليك والله‏!‏ وقبل يدها فخرج بعض خدمه وهو يقول‏:‏ سخنت عينك فما أسخفك‏!‏ وخرجت معه إلى ناحية الأردن يتنزهان فرماها بحبة عنب فدخلت حلقها فشرقت ومرضت وماتت فتركها ثلاثة أيام لم يدفنها حتى أنتنت وهو يشمها ويقبلها وينظر إليها ويبكي فكلم في أمرها حتى أذن في دفنها وعاد إلى قصره كئيبًا حزينًا وسمع جاريةً له تتمثل بعدها‏.‏

كفى حزنًا بالهائم الصب أن يرى منازل من يهوى معطلة قفرا فبكى وبقي يزيد بعد موتها سبعة أيام لا يظهر للناس أشار عليه مسلمة بذلك وخاف أن يظهر منه ما سفهه عندهم‏.‏

وكان يزيد قد حج أيام أخيه سليمان فاشترى حبابة بأربعة آلاف دينار وكان اسمها العالية وقال سليمان‏:‏ لقد هممت أن أحجر على يزيد فردها يزيد فاشتراها رجل من أهل مصر فلما أفضت الخلافة إلى يزيد قالت امرأته سعدة‏:‏ هل بقي من الدنيا شيء تتمناه قال‏:‏ نعم حبابة‏.‏

فأرسلت فاشترتها ثم صيغتها وأتت بها يزيد فأجلستها من وراء الستر وقالت‏:‏ يا أمير المؤمنين هل بقي من الدنيا شيء تتمناه قال‏:‏ قد أعلمتك‏.‏

فرفعت الستر وقالت‏:‏ هذه حبابة وقامت وتركتها عنده فحظيت سعدة عنده وأكرمها‏.‏

وسعدة بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان‏.‏ولما مات يزيد لم يعلم بموته حتى ناحت سلامة فقالت‏:‏ لا تلمنا إن خشعنا أو هممنا بخسوع قد لعمري بت ليلي كأخي الداء الوجيع ثم بات الهم مني دون من لي بضجيع ثم بات الهم مني دون من لي بضجيع للذي حل بنا اليو م من الأمر الفظيع كلما أبصرت ربعًا خاليًا فاضت دموعي قد خلا من سيدٍ كا ن لنا غير مضيع ثم نادت‏:‏ وا أمير المؤمنين أه‏!‏ فعلموا بموته‏.‏

والشعر لبعض الأنصار‏.‏

وأخبار يزيد مع سلامة وحبابة كثيرة ليس هذا موضع ذكرها‏.‏

وإنما قيل لسلامة سلامة القس لأن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار أحد بني جشم بن معاوية بن بكير كان فقيهًا عابدًا مجتهدًا في العبادة وكان يسمى القس لعبادته مر يومًا بمنزل مولاها فسمع غناءها فوقف يسمعه فرآه مولاها فقال له‏:‏ هل لك أن تنظر وتسمع فأبى فقال‏:‏

أنا أقعدها بمكان لا تراها وتسمع غناءها فدخل معه فغنته فأعجبه غناؤها ثم أخرجها مولاها إليه فشغف بها وأحبها وأحبته هي أيضًا وكان شابًا جميلًا‏.‏

فقالت له يومًا على خلوة‏:‏ أنا والله أحبك‏!‏ قال‏:‏ وأنا والله أحبك‏!‏ قالت‏:‏ وأحب أن أقبلك‏!‏ قال‏:‏ وأنا والله‏!‏ قالت‏:‏ وأحب أن أضع بطني على بطنك‏!‏ قال‏:‏ وأنا والله‏!‏ قالت‏:‏ فما منعك قال‏:‏ قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدو إلا المتقين‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 67‏]‏‏.‏ وأن أكره أن تؤول خلتنا إلى عداوة ثم قام وانصرف عنها وعاد إلى عبادته وله فيها أشعار منها‏:‏ ألم ترها لا يبعد الله دارها إذا طربت في صوتها كيف تصنع تمد نظام القول ثم نرده إلى صلصلٍ من صوتها يترجع وله فيها‏:‏ ألا قل هذا القلب هل أنت مبصر وهل أنت عن سلامة اليوم مقصر ألا ليت أني حيث صارت بها النوى جليس لسلمى كلما عج مزهر إذا أخذت في الصوت كاد جليسها يطير إليها قبله حين ينظر فقيل لها سلامة القس لذلك‏.‏

سلامة بتشديد اللام وحبابة بتخفيف الباء الموحدة‏.‏

في هذه السنة استخلف هشام بن عبد الملك لليال بقين من شعبان وكان عمره يوم استخلف أربعًا وثلاثين سنة وأشهرًا وكانت ولادته عام قتل مصعب ابن الزبير سنة اثنتين وسبعين فسماه عبد الملك منصورًا وسمته أمه باسم أبيها هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي فلم ينكر عبد الملك ذلك‏.‏

وكانت أمه عائشة بنت هشام حمقاء فطلقها عبد الملك‏.‏

وكانت كنية هشام أبا الوليد وأتته الخلافة وهو بالرصافة أتاه البريد بالخاتم والقضيب وسلم عليه بالخلافة فركب منها حتى أتى دمشق‏.‏

  ذكر ولاية خالد القسري العراق

فيها عزل هشام عمر بن هبيرة عن العراق واستعمل خالد بن عبد الله القسري في شوال‏.‏

قال عمر بن يزيد بن عيمر الأسيدي‏:‏ دخلت على هشام وخالد عنده وهو يذكر طاعة أهل اليمن فقلت‏:‏ والله ما رأيت هكذا خطأ وخطلًا والله ما فتحت فتنة في الإسلام إلا بأهل اليمن هم قتلوا عثمان وهم خلعوا عبد الملك وإن سيوفنا لتقطر من دماء أهل المهلب‏.‏

قال‏:‏ فلما قمت تبعني رجل من آل مروان فقال‏:‏ يا أخا بني تميم ورت بك زنادي قد سمعت مقالتك وأمير المؤمنين قد ولى خالدًا العراق وليست لك بدار‏!‏ فيسار خالد إلى العراق من الأسيدي بضم الهمزة وتشديد الياء هكذا يقوله المحدثون وأما النحاة فإنهم يخفون الياء وهي عند الجميع نسبة إلى أسيد بن عمرو بن تميم بضم الهمزة وتشديد الياء‏.‏

  ذكر دعاة بني العباس

قيل‏:‏ وفي هذه السنة قد بكير بن ماهان من السند كان بها مع الجنيد ابن عبد الرحمن‏.‏

فلما عزل الجنيد قدم بكير الكوفة ومعه أربع لبنات من فضة ولبنة من ذهب فلقي أبا عكرمة الصادق وميسرة ومحمد بن خنيس وسالمًا الأعين وأبا يحيى مولى بني سلمة فذكروا له أمر دعوة بني هاشم فقبل ذلك ورضيه وأنف ما معه عليهم ودخل إلى محمد بن علي ومات ميسرة فأقامه مقامه‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة غزا الجراح الحكمي اللن حتى حاز ذلك إلى مدائن وحصون وراء بلنجر ففتح بعض ذلك وأصاب غنائم كثيرة‏.‏

وفيها كانت غزوة سعيد بن عبد الملك أرض الورم فبعث سرية في نحو ألف مقاتل فأصيبوا جميعًا‏.‏

وفيها غزا مسلم بن سعيد الكلابي أمير خراسان الترك بما وراء النهر فلم يفتح شيئًا وقفل فتبعه الترك فلحقوه والناس يعبرون جيحون وعلى الساقة عبيد الله بن زيهر بن حيان على خيل تميم فحاموا حتى عبر الناس‏.‏

وغزا مسلم أفشين فصالح أهلها على ستة آلاف رأس ودفع إليه القلعة وذلك لتمام خمس ومائة بعد موت يزيد بن عبد الملك‏.‏

وفيها غزا مروان بن محمد الصائفة اليمنى فافتتح قونية من أرض الروم وكمخ‏.‏

وحج بالناس هذه السنة إبراهيم بن هشام خال هشام بن عبد الملك فأرسل إلى عطاء‏:‏ متى أخطب قال‏:‏ بعد الظهر قبل التروية بيوم فخطب قبل الظهر وقال‏:‏ أخبرني رسولي عن عطاء فقال عطاء‏:‏ ما أمرته غلا بعد الظهر فاستحيا‏.‏

وكان هذه السنة على المدينة ومكة والطائف عبد الواحد النمضري‏.‏

وكان على العراق وخراسان عمر بن هبيرة‏.‏

وكان على قضاء الكوفة حسين بن حسن الكندي‏.‏

وعلى قضاء البصرة موسى بن أنس‏.‏

في هذه السنة مات كثير عزة‏.‏

وعكرمة مولى ابن عباس وكان عكرمة زوج أم سعيد بنت جبير وفيها مات حميد بن عبد الرحمن بن عوف وقيل سنة خمس وتسعين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة وأبو رجاء العطاري وأبو عبد الرحمن السلمي وله تسعون سنة واسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وأمه صفية أخت المختار وأوصى إليه أبوه‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أمه صفية أخت المختار وأوصى إليه أبوه‏.‏

وفيها توفي أخوه عبيد الله بن عبد الله بن عمر وهو أخو سالم لأمه أمهما أم ولد‏.‏

في أيام يزيد بن عبد الملك توفي أبان بن عثمان بن عفان وكان قد فلج‏.‏

وفيها توفي عمارة بن خزيمة بن ثابت الأنصاري وله خمس وسبعون سنة‏.‏

وفي أيام يزيد بن عبد الملك مات المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي‏.‏

وعطاء ابن يزيد الجندعي الليثي ومولده سنة خمس وعشرين سكن الشام‏.‏

الجندعي بضم الجيم والدال المهلة المفتوحة والنون‏.‏

وعزاك ابن مالك الغفاري والد خيثم بن عزاك‏.‏

ومورق العجلي‏.‏

  ثم دخلت سنة ست ومائة

  ذكر الوقعة بين مضر واليمن بخراسان

قيل‏:‏ وفي هذه السنة كانت الوقعة بين المضرية واليمانية بالبروقان من أرض بلخ‏.‏

وكان سبب ذلك أن مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة غزا فتبطأ الناس عنه وكان ممن تبطأ عنه البختري بن درهم فرد مسلم نصر بن سيار وبلغاء بن مجاهد وغيرهما إلى بلخ فأمرهم أن يخرجوا الناس فأحرق نصر باب البختري وزياد بن طريف الباهلي فمنعهم عمرو بن مسلم أخو قتيبة دخول بلخ وكان عليها وقطع مسلم بن سعيد النهر ونزل نصر بن سيار البروقان وأتاه أهل الغانيان ومسلمة التميمي وحسان بن خالد الأسدي وغيرهما وتجمعت ربيعة والأزد بالبروقان على نصف فرسخ من نصر وخرجت مضر إلى نصر وخرجت ربيعة والأزد إلى عمرو بن مسلم بن عمرو وأرسلت تغلب إلى عمرو بن مسلم‏:‏ إنك منا وأنشدوه سعرًا قاله رجل عزا باهلة إلى تغلب وكان بنو قتيبة من باهلة فلم يقبل عمرو ذلك وسفر الضحاك بن مزاحم ويزيد بن المفضل الحداني في الصلح وكلما نصرًا فانصرف فحمل أصحاب عمرو بن مزاحم ويزيد بن المفضل الحداني في الصلح وكلما نصرًا فانصرف فحمل أصحاب عمرو بن مسلم والبختري على نصر وكر نصر عليهم فكان أول قتيل رجل من باهلة من أصحاب عمرو بن مسلم في ثمانية عشر رجلًا وانهزم عمرو وأرسل يطلب الأمان من نصر فآمنه وقيل‏:‏ أصابوا عمرًا في طاحونة فأتوا به نصرًا وفي عنقه حبل فآمنه وضربه مائة وضرب البختري وزياد بن طريف مائة مائة وحلق رؤوسهم ولحاهم والأبسهم المسوح‏.‏

وقيل إن الهزيمة كانت أولًا على نصر ومن معه من مضر فقال عمروا بن مسلم لرجل معه من تميم‏:‏ كيف ترى أستاه قومك يا أخا تميم يعيره بذلك‏.‏

ثم كرت تميم فهزمت أصحاب عمرو فقال التميمي لعمرو‏:‏ هذه أستاه قومي‏.‏

وقيل‏:‏ كان سبب انهزام عمرو أن ربيعة كانت مع عمرو فقتل منهم ومن الأزد جماعة فقالت ربيعة‏:‏ علام نقاتل إخواننا وأميرنا وقد تقربنا إلى عمرو فأنكر قرابتنا فاعتزلوا فانهزمت الأزد وعمرو ثم آمنهم نصر وأمرهم أن يحلقوا مسلم بن سعيد‏.‏

  ذكر غزو مسلم الترك

ثم قطع مسلم النهر ولحق به من لحق من أصحابه فلما بلغ بخارى أتاه كتاب خالد بن عبد الله بولايته العراق ويأمره بإتمام غزاته‏.‏

فسار إلى فرغانة فلما وصلها بلغه أن خاقان قد أقبل إليه وأنه في موضع ذكروه فارتحل فسار ثلاث مراحل في يوم وأقبل إليهم خاقان فلقي طائفة من المسلمين وأصاب دواب لمسلم وقتل أخو غوزك وثار الناس في وجوههم فأخرجوهم من العسكر ورحل مسلم بالناس فسار ثمانية أيام وهم مطيفون بهم فلما كانت التاسعة أرادوا النزول فشاوروا الناس فأشاروا به وقالوا‏:‏ إذا أصبحنا وردنا الماء والماء منا غير بعيد‏.‏

فنزلوا ولم يرفعوا بناء في العسكر وأحرق الناس ما ثقل من الآنية والأمتعة فحرقوا ماقيمته ألف ألف وأصبح الناس فساروا فوردوا النهر وأهل فرغانة والشاش دونه فقال مسلم بن سعيد‏:‏ أعزم على كل رجل إلا اخترط سيفه ففعلوا وصارت الدنيا كلها سيوفًا فتركوا الماء وعبروا‏.‏

فأقام يومًا ثم قطع من غد واتبعهم ابن لخاقان فأرسل إليه حميد بن عبد الله وهو على الساقة‏:‏ قف لي فإن خلفي مائتي رجل من الترك حتى أقاتلهم وهو مثقل جراحة فوقف الناس وعطف على الترك فقاتلهم وأسر أهل الصغد وقائدهم وقائد الترك في سبعة ومضى البقية ورجع حميد فرمي بنشابه في ركبته فمات‏.‏

وعطش الناس وكان عبد الرحمن العامري حمل عشرين قربة على إبله فساقها الناس جرعًا جرعًا واستسقى مسلم بن يعيد فأتوه بإناء فأخذه جابر أو حارثه بن كثير أخو سليمان بن كثير من فيه فقال مسلم‏:‏ دعوه فما نازعني شربتي إلا من حر دخله‏.‏

وأتوا خجندة وقد أصابهم مجاعة وجهد فانتشر الناس فإذا فارسان يسألان عن عبد الرحمن بن نعيم فأتياه بعهده على خراسان من أسد بن عبد الله أخي خالد فأقراه عبد الرحمن مسلمًا فقال‏:‏ سمعًا وطاعة‏.‏

وكان عبد الرحمن أول من اتخذ الخيام في مفازة آمل‏.‏

قال الخزرج التغلبي‏:‏ قاتلنا الترك فأحاطوا بنا حتى أيقنا بالهلاك فحمل حوثرة بن يزيد بن الحر بن الخنيف على الترك في أربعة آلاف فقاتلهم ساعة ثم رجع وأقبل نصر بن سيار في ثلاثين فارسًا فقاتلهم حتى أزالهم عن مواضعهم فحمل عليهم الناس فانهزم الترك وحوثرة وهو ابن أخي رقبة بن الحر‏.‏

قيل‏:‏ وكان عمر بن هبيرة قال لمسلم بن سعيد خين ولاه‏:‏ ليكن حاجبك من صالح مواليك فإنه لسانك والمعبر عنك وعليك بعمال العذر‏.‏

قال‏:‏ وما عمال العذر قال‏:‏ تأمر أهل كل بلد أن يختاروا لأنفسهم فإن كان خيرًا كان لك وإن كان شرًا كان لهم دونك وكنت معذورًا‏.‏

وكان على خاتم مسلم بن سعيد توبة بن أبي سعيد فلما ولي أسد بن عبد الله خراسان جعله على خاتمة أيضًا ذكر حج هشام بن عبد الملك وحج بالناس هذه السنة هشام بن عبد الملك وكتب له أبو الزناد سنن الحج قال أبو الزناد‏:‏ لقيت هشامًا فإني لفي الموكب إذ لقيه سعيد بن عبد الله ابن الوليد بن عثمان بن عفان فسار إلى جنبه فسمعه يقول‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الله لم يزل ينعم على أهل بيت أمير المؤمنين وينصر خليفته المظلوم ولم يزالوا يلعنون في هذه المواطن أبا تراب‏!‏ فإنها مواطن صالحة وأمير المؤمنين ينبغي له أن يلعنه فيها‏.‏

فشق على هشام قوله وقال‏:‏ ما قدمنا لشتم أحد ولا للعنه قدمنا حجاجًا ثم قطع كلامه وأقبل علي فسألني عن الحج فأخبرته بما كتبت له قال‏:‏ وشق على سعيد أني سمعته تكلم

  ذكر ولاية أسد خراسان

قيل‏:‏ وفي هذه السنة استعمل خالد بن عبد الله أخاه أسدًا على خراسان فقدمها وسلم بن سعيد غازٍ بفرغانة فلما أتى أسد لنهر ليقطعه منعه الأشهب بن عبيد التميم وكان على السفن بآمل وقال‏:‏ قد نهيت عن ذلك فأعطاه ولا طفه فأبى وقال‏:‏ فإني أمير فأذن له فقال أسد‏:‏ اعرفوا هذا حتى نشكره في أمانتنا‏.‏

وأتى الصغد فنزل بالمرج وعلى سمرقند هانئ بن هانئ فخرج في الناس يلقى أسدًا فرآه على حجر فتفاءل الناس وقالوا‏:‏ ما عند هذا خير أسد على حجر‏.‏

ودخل سمرقند وبعث رجلين معهما عهد عبد الرحمن بن نعيم على الجند فقدما وسألا عنه وسلما إليه العهد فأتى به مسلمًا فقال‏:‏ سمعًا وطاعة‏.‏

وقفل عبد الرحمن بالناس ومعه مسلم فقدموا على أسد بسمرقند فعزل هانئًا عنها واستعمل عليها الحسن بن أبي العمرطة الكندي‏.‏

وقيل للحسن‏:‏ إن الأتراك قد أتوك في سبعة آلاف‏.‏

فقال‏:‏ ما أتونا نحن أتيناهم وغلبناهم على بلادهم واستعبدناهم ومع هذا فلأذنين بعضكم من بعض ولأقربن نواصي خيلكم بخيلهم ثم سبهم ودعا عليهم ثم خرج إليهم متبطئًا فأغاروا ورجعوا سالمين‏.‏

واستخلف على سمرقند ثابت قطنة فخطب الناس فأرتج عليه وقال‏:‏ ومن يطع الله ورسوله فقد ضل فسكت ولم ينطق بكلمة وقال‏:‏ إن لم أكن فيكم خطيبًا فإنني بسيفي إذا جد الوغى لخطيب فقيل له‏:‏ لو قلت هذا على المنبر لكنت أخطب الناس فقال حاجب الفيل اليشكري يعيره بحضرته‏.‏

أبا العلاء لقد لاقيت معضلةً يوم العروبة من كربٍ وتخنيق تلوي اللسان إذا رمت الكلام به كما هوى زلق من شاهق النيق لما رمتك عيون الناس صاحيةً أنشأت تجض لما قمت بالريق أما القرآن فلا تهدى لمحكمةٍ من القرآن ولا تدى لتوفيق ذكر استعمال الحر على الموصل في هذه السنة استعمل هشام الحر بن يوسف بن يحيى بن الحكم بن أبي العاص بن أمية على الموصل وهو الذي بنى المنقوشة دارًا يسكنها وإنما سميت المنقوشة لأنها كانت منقوشة بالساج والرخام والفصوص الملونة وما شاكلها وكانت عند سرق القتابين والسعارين وسق الأربعاء وأمام الآن خربة تجاور سوق الأربعاء‏.‏

وهذا الحر الذي عمر النهار الذي كان بالموصل‏.‏

وسبب ذلك أنه رأى امرأة تحمل جرة ماء وهي تحملها قليلًا ثم تستريح قليلًا لبعد الماء فكتب إلى هشام بذلك فأمر بحفر نهر إلى البلد فحفره فكان أكثر شرب أهل البلاد منه وعليه كان الأشرع المعروف بشار النهر وبقي العمل فيه عدة سنين ومات الحر سنة ثلاث عشرو ومائة‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة كلم إبراهيم بن محمد بن طلحة هشام بن عبد الملك وهو في الحجر فقال له‏:‏ أسألك بالله وبحرمة هذا البيت الذي خرجت معظمًا له إلا رددت علي ظلامتي‏.‏

قال‏:‏ أي ظلامة قال‏:‏ داري‏.‏

قال‏:‏ فأين كنت عن أمير المؤمنين عبد الملك قال‏:‏ ظلمني‏.‏

اقل‏:‏ فالوليد وسليمان قال‏:‏ ظلماني‏.‏

قال‏:‏ فعمر قال‏:‏ يرحمه الله ردها علي‏.‏

قال‏:‏ فيزيد بن عبد الملك قال‏:‏ ظلمني وقبضها مني بعد قبضي لها وهي في يدك‏.‏

فقال هشام‏:‏ لو كان فيك ضرب لضربتك‏.‏

فقال‏:‏ في والله ضرب بالسيف والسوط‏.‏

فانصرف هشام والأبرش خلفه فقال‏:‏ أبا مجاشع كيف سمعت هذا الإنسان قال‏:‏ ما أجوده‏!‏ قال‏:‏ هي قريش وألسنتها ولا يزال في وفيها عزل هشام عبد الواحد النضري عن مكة والمدينة والطائف وولى ذلك خاله إبراهيم بن هشام بن إسماعيل فقدم المدينة في جمادى الأخرة فكانت ولاية النضري سنة وثمانية أشهر ‏.‏

وفيها غزا سعيد بن عبد الملك الصائفة‏.‏

وفيها غزا الجراح بن عبد الله اللان فصالح أهلها فأدوا الجزية‏.‏

وفيها ولد عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس في رجب‏.‏

وفيها اسقضى إبراهيم بن هشام على المدينة محمد بن صفوان الجمحي ثم عزله واستقضى الصلت الكندي‏.‏

وكان العامل على مكة والدينة والطائف إبراهيم بن هشام المخزومي وكان على العراق وخراسان خالد بن عبد الله القسري البجلي وكان عامل خالد على صلاة البصرة عقبة بن عبد الأعلى وعلى شرطتها مالك بن المنذر بن الجارود وعلى قضائها ثمامة بن عبد الله بن أنس‏.‏

وحج بالناس هشام بن عبد الملك‏.‏

وفيها مات يوسف بن مالك مولى الحضرميين وبكر بن عبد الله المني

 ثم دخلت سنة سبع ومائة

  ذكر ملك الجنيد بعض بلاد السند

في هذه السنة استعمل خالد القسري الجنيد بن عبد الرحمن على السند فنزل شط مهران فمنعه جيشبه بن ذاهر العبور وقال‏:‏ إننا ملمسمون فقد استعملني الرجل الصالح يعين عمر بن عبد العزيز على بلادي ولست آمنك فأعطاه رهنًا وأخذ منه رهنًا بما على بلاده من الخراج ثم إنهما ترادا الرهن وكفر جيشه وحاربه وقيل‏:‏ لم يحاربه ولكن الجنيد تجنى عليه فأتى الهند فجمع جموعًا وأخذ السفن وقد جنحت سفينته فقتله وهرب أخوه صصه إلى العراق ليشكو غدر الجنيد فخدعه الجنيد حتى جاء إليه فقتله‏.‏

وغزا الجنيد الكيرج وكانوا قد نقضوا ففتحها عنوةً وفتح أزين والمالبة وغيرهما من ذلك الثغر‏.‏

  ذكر غزوة عنبسة الفرنج بالأندلس

في هذه السنة غزا غنبسة بن سحيم الكلبي عامل الأندلس بلد الفرنج في جمع كثير ونازل مدينة قرقسونة وحصر أهلها فصالحوه على نصف أعمالها وعلى جميع ما في المدينة من أسرى المسلمين وأسلابهم وأن يعطوا الجزية ويلتزموا بأحكام الذمة من محاربة من حاربه المسلمون وسالمة من سالموه فعاد عنهم عنبسة وتوفي في شعبان سنة سبع ومائة أيضًا وكانت ولايته أربع سنين وأربعة أشهر ولما مات استعمل عليهم بشر بن صفوان يحيى بن سلمة الكلبي في ذي القعدة سنة سبع أيضًا‏.‏

  ذكر حال الدعاة لبني العباس

قيل‏:‏ وفيها وجه بكير بن ماهان أبا عكرمة وأبا محمد الصادق ومحمد ابن خنيس وعمارًا العبادي وزيادًا خال الوليد الأزرق في عدة من شيعتهم دعاةً إلى خراسان فجاء رجل من كندة إلى أسد بن عبد الله فوشى بهم إليه‏.‏

فأتى بأبي عكرمة ومحمد بن خنيس وعامة أصحابه ونجا عمار فقطع أسد أيدي من ظفر به منهم وصلبهم وأقبل عمار إلى بكير بن ماهان فأخبره الخبر فكتب إلى محمد بن علي بذلك فأجابه‏:‏ الحمد لله الذي صدق دعوتكم ومقالتكم وقد بقيت منكم قتلى ستقتل‏.‏

وفيها قدم مسلم بن سعيد إلى خالد بن عبد الله فكان أسد يكرمه بخراسان ولم يعرض له فقدم مسلم وابن هبيرة يريد الهرب فنهاه عن ذلك وقال‏:‏ إن القوم فينا أحسن رأيًا منكم فيهم‏.‏

وفيها غزا أسد جبال نمرون ملك غرشس مما يلي جبال الطالقان فصالحه نمرون وأسلم على

  ذكر الخبر عن غزوة الغور

قيل‏:‏ وفي هذه السنة غزا أسد الغور وهي جبال هراة فعمد أهلها إلى أثقالهم فصيروها في كهف ليس إليه طريق فأمر أسد باتخاذ توابيت ووضع فيها الرجال ودلاها بسلاسل فاستخرجوا ما قدروا عليه‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة عزل هشام الجراح بن عبد الله الحكمي عن أرمينية وأذربيجان واستعمل عليها أخاه مسلمة بن عبد الملك فاستعمل عليها مسلمة الحارث ابن عمرو الطائي فافتتح من بلد الترك رستاقًا وقرى كثيرة وأثر فيها أثرًا حسنًا‏.‏

وفيها نقل أسد من كان بالبروقان إلى بلخ من الجند وأقطع كل من كان له بالبروقان بقدر مسكنة ومن لم يكن له مسكن أقطعه سمكنًا وأراد أن ينزلهم على الأخماس فقيل له إنهم يتعصبون فخط بينهم‏.‏

وتولى بناء مدينة بلخ برمك أبو خالد بن برمك وبينها وبين البروقان فرسخان‏.‏

وحج بالناس هذه السنة إبراهيم بن هشام وكان عمال الأمصار من تقدم ذكرهم في السنة

وفيها مات سليمان بن يسار وعمرة ثلاث وسبعون سنة وعطاء بن زيدي الليثي وله ثمان وتسعون سنة وقد تقدم ذكر وفاته سنة خمس ومائة‏.‏

يسار بالياء المثناة من تحت وبالسين المهلملة‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان ومائة

  ذكر غزوة الختل والغور

قيل‏:‏ وفي هذه السنة قطع أسد النهر وأتاه خاقان فلم يكن بينهما قتال في هذه الغزوة وقيل‏:‏ عاد مهزومًا من الختل وكان أسد قد أظهر أنه يريد أن يشتو بسرخ دره فأمر الناس فارتحلوا ووجه راياته وسار في ليلة مظلمة إلى سرخ دره فكبر الناس فقال‏:‏ مالهم فقالوا‏:‏ هذه علامتهم إذا قفلوا‏.‏

فقال للمنادي‏:‏ ناد إن الأمير يريد غوريين فمضى إليهم فقاتلوهم يومًا وصبروا لهم‏.‏

وبرز رجل من المشركين بني الصفين فقال سالم بن أحوز لنصر بن سيار‏:‏ أنا حامل على هذا العلج فلعلي أقتله فيرضى أسد فحمل عليه فطعنه فقتله ورجع سالم فوقف قم قال لنصر‏:‏ أنا حامل حملة أخرى فحمل فقتل رجلًا آخر وجرح سالم فقال‏:‏ أترى ما صنعنا يرضيه لا أرضاه الله‏!‏ قال‏:‏ لا واللهز قال‏:‏ وأتاهما رسول أسد فقال‏:‏ يقول لكما الأمير قد

رأيت موقفكما وقلة غنائكما عن المسلمين لعنكما الله‏.‏

فقال‏:‏ آمين إن عدنا لمثل هذا‏!‏ وتحاجزوا‏.‏

ثم عادوا من الغد فاقتتلوا وانهزم المشركون وحوى المسلمون عسكرهم وظهروا على البلاد وأسروا وسبوا وغنموا‏.‏

وقد كان أصاب الناس جوع شديد بالختل فبعث أسد بكبشين مع غلام له وقال‏:‏ بعهما بخمسمائة درهم‏.‏

فلما مضى الغلام قال أسد‏:‏ لا يشتريهما إلا ابن الشخير وكان في المسلحة فدخل حين أمسى الشاتين في السوق فاشتراهما بخمسائة فذبح إحداهما وبعث بالأخرى إلى بعض إخوانه فلما أخبر الغلام أسدًا بالقصة بعث إلى ابن الشخير بألف درهم وهو عثمان بن عبد الله بن الشخير أبو مطرف‏.‏